على الرغم من التسارع السريع في الرقمنة في العقود الأخيرة، كان نمو الإنتاجية بطيئًا على المستوى الإجمالي في معظم الدول حول العالم. آراء كثيرة لخبراء في المجال يجمعون على أن الرقمنة قد تعزز الانتاجية لدى الشركات إلا أن تأثيرها قد يكون محدوداً. فإن الاستثمار في التقنيات الرقمية يكون ناجحاً أكثر عندما يتم تحديد الهدف واعتماد سياسة خاصة لتعزيز الانتاجية بشكل خاص.
أصبح التحول الرقمي قوة حيوية في إعادة تشكيل القطاعات. يؤدي اعتماد التقنيات الرقمية ودمجها في معظم مجالات الأعمال إلى تغيير جذري في كيفية عمل المؤسسات وتقديم القيمة للعملاء. تتمثل إحدى الفوائد الجذابة للتحول الرقمي في قدرته على رفع الإنتاجية. من خلال البرمجيات المتقدمة والأتمتة وتحليلات البيانات والاتصال المحسّن، يمكّن التحول الرقمي الشركات من العمل بكفاءة أكبر والابتكار بشكل أسرع وتقديم نتائج أفضل. غالباً ما يؤدي التحول الرقمي إلى استبدال الأنظمة القديمة بالبرمجيات الحالية، مثل أنظمة تخطيط موارد المؤسسات (ERP)، ومنصات إدارة علاقات العملاء، وحلول البرمجيات كخدمة (SaaS) الخاصة بأي مجال. تقدم حزم البرامج الحالية وحلول البرمجيات كخدمة، وظائف أكثر شمولاً، اتمام العمليات التشغيلية بشكل أفضل، صيانة البرمجيات بمصادر خارجية.
كيف تؤثر الرقمنة على إنتاجية الشركات؟
تُقاس الرقمنة وفقاً لعنصرين، الأول يرتبط بالاستثمار الرقمي انطلاقاً من رأس المال المخصص لبرامج الحاسوب وقواعد البيانات وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والبحث والتطوير من اجمالي الاستثمار الحقيقي. أما العنصر الثاني فيرتبط بمدى قدرة الشركات على الاستغناء عن الأساليب القديمة والعمل وفقاً للمعايير الحديثة.
تؤثر الرقمنة بشكل مباشر على الشركات والمجتمعات فلا بدّ من الاستفادة منها في كل المجالات. تُسرّع الرقمنة العمليات التشغيلية لدى الشركات وتخفّض من الأخطاء البشرية مما يؤدي بالتالي إلى زيادة الانتاجية لتحقيق نتائج أفضل خلال فترة زمنية قصيرة. تستغرق المهام المتكررة وقتاً طويلاً بينما يتيح التحول الرقمي والحلول الذكية قدرة على أتمتة المهام المتكررة لزيادة الانتاجية من جهة ورفع جودة البيانات من جهة أخرى. يمكن للشركات أتمتة المهام الروتينية مثل انشاء التقارير، إدارة تفاعلات العملاء، تسجيل البيانات من خلال اعتماد الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي. يسهّل التحول الرقمي جمع كميات هائلة من البيانات وتحليلها، فتستفيد المؤسسات من هذا الأمر لاتخاذ القرارات المناسبة. تساعد أدوات تحليل البيانات المبرمجين على التحليل السريع لأنماط الأداء وسلوكيات العملاء واتجاهات السوق، مما يساعد الشركات على تعديل الاستراتيجيات بسرعة والبقاء في صدارة المنافسين. يؤدي استخدام البيانات لتوجيه عمليات اتخاذ القرار إلى تعزيز الإنتاجية من خلال تمكين التنبؤ الأكثر دقة، مما يؤدي إلى تحسين إدارة الإنتاج وإدارة المخزون وتخصيص الموارد. تعتبر عمليات اتخاذ القرارات المستندة إلى البيانات ذات قيمة خاصة في قطاعات مثل البيع بالتجزئة والتصنيع والرعاية الصحية، حيث يمكن أن يؤدي العديد من التحسينات الطفيفة في الكفاءة إلى توفير كبير في التكاليف وتقديم الخدمات بشكل أسرع.
تحسين تجربة العملاء:
يتمثل أحد الأهداف الرئيسية للتحول الرقمي في تحسين تجربة العملاء في جميع العمليات، سواء كانت رقمية أو تقليدية. تتيح أدوات مثل روبوتات الدردشة الآلية المدعومة بالذكاء الاصطناعي وبوابات الخدمة الذاتية وتطبيقات الهاتف المحمول للشركات خدمة العملاء بشكل أكثر كفاءة واستجابة. يُعزز التحول الرقمي التفاعل مع العملاء في الوقت الفعلي، ما يوفر ردوداً أسرع على الاستفسارات وتوصيات أفضل للمنتجات وتجارب أكثر تخصيصاً.
ان التحول الرقمي ليس مجرّد ترقية للبرامج المعتمدة من تقليدية إلى تكنولوجية ذكية بل هو تحول جذري في كيفية عمل الشركات لتقديم قيمة مُضافة. ومع التجارب المتعددة، أًثبت أن التحول الرقمي هو المحرّك الأقوى لرفع الانتاجية وأتمتة المهام العادية واتخاذ القرارات المناسبة القائمة على جمع البيانات وتعزيز تجربة العملاء وضمان الاتصال الناجح والتعاون القوي. لهذه الأسباب، تتبنى المؤسسات الحكومية والشركات اليوم التحول الرقمي استعداداً إلى المرحلة المقبلة مع كل التحولات التي تحملها وتعزز بذلك قدرتها في مواجهة كل التحديات المتمثّلة في السوقين المحلي والعالمي والابتكار بشكل أسرع والحفاظ على القدرة التنافسية. فمع استمرار نمو التكنولوجيا وتطوّر حلولها، تستفيد الشركات من التحول الرقمي على مخلف المستويات لتحقيق مكاسب انتاجية مستدامة وضمان النجاح على المديين القريب والبعيد.
المنافسة العالمية: تستفيد الشركات من التحول الرقمي لخفض التدخّل البشري، تسريع العمليات التشغيلية وتحقيق نتائج أفضل ما يؤدي إلى الوصول لعملاء جدد حول العالم وبالتالي المنافسة مع الأسواق العالمية.
خفض التكلفة: تسهّل الرقمنة مراحل العمل كما أنها تساعد على خفض التكلفة مع الحاجة إلى عدد أقل من اليد العاملة البشرية وتقليل الحاجة إلى الورق والوثائق الملموسة والتحول إلى عمليات رقمية مؤتمتة. بالاضافة إلى ذلك، تلعب الرقمنة دورها في اتاحة موارد بكفاءة أكبر.
حكومات المنطقة... نموذج عالمي في التحول الرقمي
تتبنى حكومات المنطقة التقنيات الذكية وأبرزها الذكاء الاصطناعي وتقنيات البلوك تشين ما يعيد تشكيل الخدمات على الصعيدين المحلي والعالمي. من خلال العمل المتواصل، حققت دول المنطقة قفزات نوعية في مجال الرقمنة خلال السنوات الماضية لاعادة تشكيل القطاعات ومختلف الخدمات الحكومية أيضاَ.
الامارات العربية المتحدة:
تعتبر دولة الامارات الأكثر تقدماً على مستوى المنطقة، في مجال الرقمنة حيث تعتبر من أولى الدول التي عيّنت وزيراً للذكاء الاصطناعي عام 2017. وأطلقت الامارات خدمات رقمية عدّة حققت نجاحاً كبيراً وانتشاراً واسعاً لدى العملاء، استناداً إلى الاستراتيجية الوطنية للبلوك تشين سيتم تحويل نحو 50% من المعاملات الحكومية إلى البلوك تشين وتعزيز رقمنة القطاعات.
كانت الامارات سباقة بدمج الذكاء الاصطناعي في القطاعات منها الصحة والتعليم والنقل حيث أصبحت تتم معظم التداولات والعمليات التشغيلية عبر قنوات رقمية. وبحسب تقرير الأمم المتحدة لمسح الحكومة الالكترونية 2024، حلّت الامارات المرتبة الأولى عالمياً في مؤشر البنية التحتية للاتصالات الذي يركّز على دور الحكومات في تسريع التحول الرقمي واعتماد الذكاء الاصطناعي في الأعمال.
تلتزم الحكومة الاماراتية بتعزيز الشمولية الرقمية وتوفير التناغم الرقمي والتركيز على تلبية متطلبات المستخدمين عبر توفير بنية تحتية رقمية، تعزيز دور الممكنات الرقمية وتوفير كل الخدمات التي تسهّل الأعمال وتضمن مرونتها وفقاً لاحتياجات السوق. بالاضافة إلى ذلك، دعم المهارات الرقمية في البلاد ومواكبة العصر الرقمي ورفع كفاءة عمل الشركات الخاصة والحكومية.
المملكة العربية السعودية:
تعتمد المملكة العربية السعودية استراتيجية الرقمنة لخفض التكاليف بنسبة تُقدّر بـ20%، كما تفتح الحكومة السعودية فرصًا أوسع للاستثمارات الرقمية والابتكار ما يتماشى مع رؤية المملكة 2030 توازياً مع أهداف التنمية المستدامة. وفقاً للدراسات الحديثة، تحقق استراتيجيات التنمية المستدامة نتائج كبيرة في كفاءة الأعمال التشغيلية بين 20 و30% مع زيادة ملحوظة في الانتاجية تصل نسبتها إلى 25% فضلاً عن تقليل ساعات التوقف عن العمل لأي سبب تقني كان.
تتمتع المملكة العربية السعودية ببنية تحتية رقمية متطوّرة تخضع لصيانة متواصلة على مدار السنة تواكب بها الممكلة كل التحولات التكنولوجية وتأثيرها على المجتمع. ومع التوجه السريع نحو اعتماد التقنيات الذكية: الذكاء الاصطناعي، انترنت الأشياء وغيرهما تتبنى الشركات في المملكة الأنظمة الرقمية لاتخاذ القرارات بشكل مناسب وتفادي المشاكل التقنية والتحديات قبل حدوثها.
يُعد التحول الرقمي ضمن برنامج رؤية الممكلة 2030 التي تهدف إلى بناء بيئة مناسبة لشركات القطاعين العام والخاص وتحقيق التنمية المستدامة فيها. كما تشمل أهداف رؤية المملكة 2030 خفض الانبعاثات الكربونية، تعزيز الخدمات الرقمية ورفع جودتها، تطوير الاقتصاد الرقمي، رقمنة القطاعات وتشجيع الاستثمارات فيها للتوسع في السوقين المحلي والعالمي.
من جهتها، تركز الشركات في المملكة على تحسين تجربة العملاء ورفع مستوى الخدمات وتوفير الجهد والوقت. ولا تقتصر أهداف الرقمنة على ذلك فحسب، بل يساهم التحول الرقمي في المملكة في رفع المنافسة في السوق بالاضافة إلى رفع الانتاجية وتحسين أداء العمليات التشغيلية. وتستفيد الشركات من تحليل البيانات الضخمة لفهم سلوك العملاء وتوفير تجربة متكاملة لهم.
تتجسّد ثقافة الرقمنة في المملكة العربية السعودية في توفير خدمات الانترنت المرنة عبر بنية تحتية رقمية متوفرة لكل المواطنين، نشر الثقافة الرقمية عبر دورات تدريبية ودعم المهارات بهذا المجال، تسهيل وصول المحتوى الرقمي من خلال البوابات الالكترونية، تفعيل دور المواقع الالكترونية وتشجيع اعتمادها.
الكويت:
توسع الكويت استثماراتها الرقمية لتحقيق رؤية الكويت 2035 والتي ترتكز على تعزيز الرقمنة في البلاد والاقتصاد الرقمي واعتبار التكنولوجيا أولوية. إن التغييرات المتسارعة تدفع الشركات في الكويت إلى تثبيت مكانتها الرقمية مع دمج الذكاء الاصطناعي في أعمالها لرفع الانتاجية.
في السياق، أطلقت الحكومة الكويتية مبادرات عدّة لتعزيز الرقمنة وتسهيل الأعمال وتوفير كل الخدمات للمواطنين. ويؤكد خبراء تقنيون أهمية اعتماد التحول الرقمي خصوصاً في المعاملات الحكومية مع توفير بنية تحتية رقمية لانترنت سريع وأجهزة الكترونية تلبي متطلبات العمل الرقمي.
مستقبل الرقمنة في الشرق الاوسط
وسط التحولات الكبيرة، تستعد منطقة الشرق الاوسط إلى المرحلة المقبلة مع احتضان الثورة الرقمية بكل جوانبها. ومن المتوقع ازدهار الحلول الذكية في المنطقة مع نمو عدد الاشتراكات بشبكات الاتصالات ومنها شبكة الجيل الخامس التي ستصل إلى 310 ملايين اشتراك بحلول 2029 مع تجاوز اشتراك الهاتف المحمول 1.2 مليار اشتراك. بدورها، تستفيد الشركات من هذا الواقع لتحقيق الابتكار.
وتشكل الأنظمة الرقمية كالذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية والجيلين الخامس والسادس قاعدة أساسية لتكوين المستقبل الرقمي في المنطقة. مع توسيع نطاق الاتصالات، تلعب التكنولوجيا دورها في دعم أهداف الحكومات لتكون جسر عبور إلى فرص جديدة من الاستثمارات والمشاريع المزدهرة تدفع نحو تحقيق الريادة الرقمية لعالم أكثر اتصالاً.