هوس السرعة بمواكبة التطورات الرقمية لا يفارق مجتمعاتنا التي تأخذ شكلاً جديداً بمعايير جديدة. غيّر التحول الرقمي قواعد اللعبة وبات هدف شركات الاتصالات تحسين تجربة العملاء والارتقاء بشبكات الاتصالات إلى شبكات أكثر تطوراً.
تدعم أجهزة الهاتف المحمول والأجهزة الذكية أنظمة الاتصالات الحديثة لتتيح للعملاء قدرة فائقة في خدمات الرسائل والاتصال أكثر كفاءة. مع توقف شبكات الجيل الثالث في معظم الدول حول العالم، تواجه الشركات اليوم مرحلة مفصلية سواء كان من ناحية تطوير البنية التحتية الذكية أو أنظمة ادارة الأجهزة الذكية عن بُعد أو أجهزة الاتصال أو الانتقال من شبكة إلى أخرى. لهذه الخطوة تأثيرها الكبير على التطبيقات واستراتيجيات العمل للتكيّف مع الواقع الجديد. على المستوى العالمي، يمضي وقف تشغيل شبكة الجيل الثالث قدماً حيث يخطط العديد من الدول لايقافها كلياً بحلول عام 2027. في السياق، استكملت معظم شركات الاتصالات العالمية هذه الخطوة مع ايقاف تشغيل شبكات الجيل الثالث لديها. يرى المستخدمون أن الانتقال إلى الجيل الرابع والخامس قد يكون الخيار الأفضل للتواصل دون توقف واستمرار الأعمال أيضاً. أما الهدف الأساس من ايقاف تشغيل الجيل الثالث فيكمن بإعادة استخدام الترددات في تقنيات أكثر تطوراً وتعزيز كفاءة استهلاك الطاقة وتسريع التحول الرقمي استجابةً لطلب العملاء واحتياجات السوق المتغيّرة باستمرار.
كيف يتجه العالم نحو إيقاف الجيل الثالث؟
منذ عام 2019 بدأت الدول تتجه نحو وقف العمل بهواتف الجيل الثالث استعداداً لاعتماد شبكات الجيل الرابع والخامس واليوم بدأ الحديث أكثر عن دخول الجيل السادس لينتشر على نطاق أوسع. هذا الواقع يدفع مشغلي الاتصالات والعملاء والمؤسسات في جميع القطاعات إلى ترقية أنظمتهم للجيل الرابع والخامس قبل التوقف الكلي عن العمل بالجيل الثالث. تستوعب الشركات تأثير هذه الخطوة وتنفيذ استراتيجية لضمان استمرار نمو الأعمال وتطورها. والسؤال الذي يُطرح، لمَ الآن يتم التركيز أكثر على تنفيذ خطط ايقاف العمل بالجيل الثالث؟
تعتمد جميع الاتصالات اللاسلكية على مورد محدود يُعرف باسم التردد اللاسلكي أو "الطيف". ويُقاس هذا التردد بنطاقات ميغاهيرتز مثل 850 أو 2100 ميغاهيرترز. تشتري شركات الاتصالات السلكية واللاسلكية إمكانية الوصول إلى نطاقات طيف محددة لبناء شبكاتها، ولكن بمجرد استخدام النطاق بالكامل، لا يمكن إضافة سعة إضافية. ونتيجة لذلك، تقوم شركات الاتصالات بالتخلص التدريجي من شبكات الجيل الثالث الأقدم لتحسين هذا الطيف وإعادة توزيعه لخدمات الجيل الرابع والجيل الخامس الأكثر كفاءة وسرعة. تتميز شبكات الهاتف المحمول الأحدث هذه بزمن انتقال أقل، واتصال محسّن، وسرعات إنترنت أعلى، حيث تُعد شبكات الجيل الخامس هي الأحدث والأسرع. إن إعادة التخصيص هذه ضرورية لتلبية الطلب المتزايد على البيانات وتحسين الاتصال. وعلى الرغم من أن الانتقال إلى هذه الشبكات الأحدث أمر مفيد، إلا أن المسألة تستغرق وقتاً طويلاً.
منذ عام 2019 بدأت الدول تتجه نحو وقف العمل بهواتف الجيل الثالث استعداداً لاعتماد شبكات الجيل الرابع والخامس واليوم الجيل السادس.
آسيا: تعمل الهند على تقليص الخدمات بشكل مطرد، حيث من المتوقع أن يتم الإغلاق الكامل للجيل الثالث بحلول نهاية عام 2025، بينما تم إغلاق الجيل الثالث في اليابان في عام 2022، وسنغافورة في يوليو من عام 2024.
أفريقيا: تخطط جنوب أفريقيا بشكل تدريجي لإيقاف تشغيل الجيل الثالث بحلول بداية يوليو 2025.
الشرق الأوسط: قامت سلطنة عُمان بإيقاف تشغيل شبكات الجيل الثالث منذ يوليو 2024، في حين قامت شركة زين البحرين بإيقاف تشغيل شبكة الجيل الثالث في الربع الرابع من عام 2022 في دول مثل الكويت وإيران والأردن.
وضمن الخطط المطروحة لتوقيف تشغيل الجيل الثالث، أكملت هيئة تنظيم الاتصالات في سلطنة عُمان رسمياً ايقاف الجيل الثالث على مستوى البلاد. ووفقاً لبيان صدر عن الهيئة، تم اغلاق 70 محطة للجيل الثالث في محافظات البريمي والظاهرة ومسندم، تلاه في ديسمبر 2024 إغلاق 584 محطة في محافظة الداخلية، ثم إغلاق 864 محطة في محافظتي الوسطى وظفار. وفي يناير 2025، تم إغلاق 1835 محطة في محافظات جنوب الباطنة وشمال الباطنة، وجنوب الشرقية وشمال الشرقية، وفي الربع الثاني من عام 2025 تم إغلاق 1699 محطة في محافظة مسقط مع استثناء موقت من هذا الإغلاق لبعض محطات الجيل الثالث الموجودة حول مطار مسقط الدولي لدواعٍ فنية.
كما أُعيد توجيه النطاقات التردّدية الخاصة بالجيل الثالث لدعم شبكات الجيلين الرابع والخامس وإنترنت الأشياء؛ ما أسهم في ترقية أكثر من 5600 محطة في مختلف المحافظات.
مقابل ذلك، ارتفعت تغطية الجيل الرابع بنسبة 99% من أنحاء سلطنة عُمان التي تعتبر من أوائل الدول التي نجحت بتنفيذ هذه الخطوة والانتقال إلى تقنيات حديثة تسرّع التحول الرقمي وتعزز خدمات الاتصالات في البلاد.
من جهتها، سبق أن أصدرت هيئة تنظيم الاتصالات في قطر قراراً لمزودي خدمات الاتصالات المتنقلة يقضي بإيقاف الجيل الثالث للاتصالات المتنقلة في قطر في ديسمبر 2025. وتأتي هذه الخطوة لتحسّن جودة الخدمات ورفع كفاءة الاتصالات استجابةً لاحتياجات العملاء في قطر.
وبموجب هذا القرار، تكون شركتا الاتصالات القطرية، أوريدو وفودافون قطر ملتزمتين بوقف خدمات الجيل الثالث لغاية الموعد المحدد والعمل على تحسين تغطية الجيل الرابع والجيل الخامس. وتهدف شركات الاتصالات القطرية من خلال هذا المشروع إلى توسيع تغطية شبكة الجيل الخامس وتنويع الاقتصاد القطري ودعم الاستثمارات التقنية. كما حظرت هيئة تنظيم الاتصالات اعتماد الأجهزة الذكية والهواتف المحمولة التي تدعم الجيل الثالث.
بسبب تغطيتها الواسعة ومتانتها، لا يزال العديد من الشبكات الصناعية يستخدم شبكات الجيل الثالث على الرغم من هذه التطورات. ويعتمد العديد من أجهزة اتصال إنترنت الأشياء، بما في ذلك وحدات القياس عن بُعد وأجهزة تسجيل البيانات، شبكات الجيل الثالث الخلوية في صناعات مثل الطاقة والمرافق والنقل. ولكن تظهر مشاكل مثل زيادة وقت التعطل، والأداء غير المتناسق، وارتفاع المخاطر الأمنية مع قيام شركات الاتصالات بالتوقف عن الصيانة وإغلاق شبكات الجيل الثالث.
تداعيات توقف الجيل الثالث
يؤثر توقف الجيل الثالث على مجموعة كبيرة من الأجهزة الالكترونية والهواتف المحمولة المنتشرة في السوق والتي تعتمد عليها معظم الشركات لتشغيل أنظمة الآمان وأجهزة الانذار وأجهزة تحويل الأموال الكترونياً وغيرها من المجالات. أما بالنسبة للمستخدمين فعليهم اتخاذ القرار فوراً والانتقال إلى الجيل الرابع والخامس لضمان استمرار أعمالهم على أجهزتهم الالكترونية في ظلّ التوجه العام نحو ايقاف تشغيل الجيل الثالث.
تزامناً مع انتشار شبكة الجيل الخامس، توقع تقرير لشركة "ستاتيستا"، صدر في عام 2021، تراجع حصة شبكة الجيل الثالث بنسبة 8% بين 2019 و2025 بعدما كانت حصة هذه الشبكة تشكل 25% من السوق في عام 2019. ويقول خبراء في التقنية إنّ هذا التحول يؤثر سلباً على الأفراد الذين لا يريدون تحديث هواتفهم أو أن بعض أجهزة الأمان المنزلية والانذار ما زالت مدعومة من الجيل الثالث رغم تطور شبكات الاتصالات مع وصولنا إلى الجيل السادس.
يؤثر توقف الجيل الثالث على مجموعة كبيرة من الأجهزة الالكترونية والهواتف المحمولة في السوق.
يهدف مزودو الاتصالات إلى التوسع في شبكات الجيلين الخامس والسادس ليكون عملهم على مستوى أكبر. إلا انه يخشى البعض من تداخل الشبكات، بين الجيلين الثالث والخامس، ببعضها خصوصاً على متن الطائرات ما يهدد سلامة الرحلات الجوية. مخاوف حقيقية بهذا الشأن، حيث من الممكن تداخل شبكات الجيل الخامس مع أجهزة الطائرات لا سيّما وأن هذه الشبكة تعتمد على نطاقات أعلى من الشبكات السابقة، خصوصاً مقاييس الارتفاع، ما قد يؤثر على سلامة الطائرة أثناء الهبوط في حال سوء الرؤية في وقت يعتمد فيه الطيارون على هذه الأجهزة لتحديد ارتفاعهم بدقة. هذا الأمر يستدعي اتخاذ اجراءات احترازية لضمان سلامة الطيران مع كل شبكات الاتصالات.
أما على المستوى الاقتصادي، فلتوقف تشغيل شبكات الجيل الثالث تداعياته أيضاً. تشمل التأثيرات الاقتصادية خسائر مالية كبيرة على شركات الاتصالات، المستخدمين، وعلى مختلف قطاعات الأعمال.
شركات الاتصالات: في حال غياب الخطط البديلة أو استراتيجية واضحة للانتقال إلى شبكة أخرى من الجيل الرابع والخامس والسادس بكفاءة، ستدفع شركات الاتصالات ثمن توقف تشغيل الجيل الثالث. وقد يؤدي ايقاف الجيل الثالث إلى زيادة في تكاليف التشغيل لتحديث بنية تحتية رقمية قادرة على تشغيل شبكات أحدث أو لتوفير حلول بديلة للأفراد الذين يعتمدون على الجيل الثالث بشكل أساس. هذه الخطوة تؤثر سلباً من دون شك على جودة الخدمات المقدمة خصوصاً في حال لم تكن الشبكات الأحدث قادرة على استيعاب عدد المشتركين وتلبية متطلباتهم المتغيّرة باستمرار إلى جانب فهم واقع السوق.
خروج الأجهزة القديمة عن الخدمة: ستفقد الأجهزة الالكترونية القديمة والهواتف المحمولة الاتصال بالانترنت ولن تتمكن من اجراء مكالمات صوتية أو ارسال رسائل نصية عبر شبكة الجيل الثالث. كما ان السيارات القديمة التي تعتمد على الجيل الثالث ستفقد مميزاتها أيضاً مع توقف هذه الشبكة.
اجراءات متخذة للبقاء على اتصال
لن يكون توقف الجيل الثالث خطة موقتة بل انه مسار ستعتمده الشركات في ظلّ النمو السريع. على ضوء ذلك، يجب على المستخدمين التحقق من الأجهزة الالكترونية وتوافقها مع شبكات الأجيال الرابع والخامس والسادس. أما اذا كان الجهاز مدعوماً بالجيل الثالث فقط فمن المهم ترقية الشبكة للأحدث. أمام هذا الواقع، من الضروري التواصل مع شركة الاتصالات للاستفسار عن خطة ايقاف الجيل الثالث والاستعلام حول الأجهزة التي ستخرج عن الخدمة مع ايقاف الجيل الثالث.
يُعد ايقاف العمل بشبكة الجيل الثالث خطوة مهمة نحو مستقبل الاتصالات لخدمة أسرع وجودة أكبر وأكثر كفاءة، في وقت تبحث فيه الشركات عن الانخراط بالعالم الرقمي ومواكبة مراحل التطور بكل ما تحمله من تحديات.
لن يكون توقف الجيل الثالث خطة موقتة بل انه مسار ستعتمده الشركات في ظلّ النمو السريع.
مستقبل العالم من دون الجيل الثالث
يمثل مستقبل الاتصالات من دون شبكة الجيل الثالث قفزة نوعية نحو عصر جديد. فبينما يواجه البعض تحديات بمجرّد الانتقال من شبكة إلى أخرى، يعتبر ايقاف الجيل الثالث والتركيز على التقنيات الأحدث خطوة ضرورية لتمهيد الطريق لتقنيات وحلول أكثر تقدماً لتلبية المتطلبات المتزايدة.
تتمثل ملامح مستقبل الاتصالات من دون الجيل الثالث بهيمنة أكبر لشبكات الاجيال الرابع والخامس والسادس. ستوفر شبكة الجيل الرابع خدمات سريعة وستشكل العمود الفقري للاتصالات في مختلف المناطق والدول التي ستشهد مع هذا التحول تغطية أسرع.
من ناحية أخرى، ستنمو أيضاً شبكات الجيل الخامس وستتسارع في انتشارها لتصبح المعيار الأساس لاتصالات سريعة وزمن الوصول المنخفض والقدرة على نقل بيانات هائلة بوقت قليل. ستفتح شبكات الجيل الخامس آفاقاً جديدة لتطبيقات أكثر ذكاءً.
أما حالياً، فلا يمكن الا التركيز على الجيل السادس الذي يُعد الشبكة الأكثر تطوراً للاتصالات. يُقدم الجيل السادس سرعات غير مسبوقة ما يدعم الابتكارات والتطبيقات الذكية والأنظمة والبرمجيات المدعومة من الذكاء الاصطناعي بشكل خاص. ستتعامل شبكات الجيل السادس مع عدد أكبر من الأجهزة الالكترونية والهواتف المحمولة في آن واحد كما سيتم الاعتماد أكثر على الأتمتة والحلول الرقمية.
لا خوف على مستقبل من دون الجيل الثالث، فإن الشبكات الأحدث كفيلة بأن تقدم السرعة والكفاءة في عمليات التشغيل والاتصال الشامل للوصول إلى بيئة رقمية أكثر تطوراً على مختلف المستويات. فهل ستعتمد الجيل الثالث بعد الآن؟