Advertisement

منتهي الصلاحية
تقارير وتغطيات
Typography
  • Smaller Small Medium Big Bigger
  • Default Helvetica Segoe Georgia Times

سباق الانسان والآلات لم ينتهِ بعد. صراع وجودي بدأ مع الثورة التكنولوجية وتطور مع توسع الأجهزة وتقدم الأنظمة الرقمية التي تجاوزت حدود الابتكار. يعمل دماغ الانسان بكفاءة عالية بينما تتميز أنظمة الذكاء الاصطناعي الحديثة بهيكلة عميقة متعددة القدرات. والسؤال الذي يُطرح، هل يمكن لهذه الطبقات المستوحاة من الدماغ أن تنافس الانسان نفسه؟

يُعدّ الدماغ البشري من أكثر الأنظمة تعقيداً في طبيعته، وغالباً ما يُقارن بالقدرة الحسابية للحواسيب العملاقة. ومع ذلك، فقد شكّلت التطورات السريعة في مجال الذكاء الاصطناعي على مدى العقود القليلة الماضية تحدياً لهذه القدرة. تُظهر نماذج اللغات الحديثة، مثل شات جي بي تي المُدرّبة على مجموعات بيانات ضخمة، وقدراتٍ مذهلة في معالجة المعلومات. ويثير نموها المُتسارع أسئلةً مهمة حول قدرة الدماغ البشري على مواكبة هذا النمو وتحليله؟ وهل يمكنه مُنافسة الذكاء الاصطناعي في مستقبل سريع التغيّر؟

غيّرت التكنولوجيا حياتنا لتُطلَق نتيجتها خدمات جديدة وقدرات مذهلة سهّلت الكثير من المهام اليومية. يتوقع الخبراء أن يتم الاندماج الكامل بين العقل البشري والآلة بحلول عام 2045 لتجاوز كل الفجوات والعقبات. ورغم قوة الذكاء الاصطناعي والمراحل المتقدمة التي وصل إليها، لا يزال دماغ الانسان منافساً شرساً فهو يتمتع بقدرات استثنائية على التكيّف مع الواقع المحيط فيه وانتاج أفكار جديدة تواكب التحولات مهما كانت سريعة وتخزين المعلومات وتحليلها.  بينما لا يزال الذكاء الاصطناعي محدود القدرات فهو لا يمكنه التأقلم مع الظروف غير المتوقعة أو التي ليس لديه تجارب سابقة في مواجهتها.

 

غيّرت التكنولوجيا حياتنا لتُطلَق نتيجتها خدمات جديدة وقدرات مذهلة سهّلت الكثير من المهام اليومية. 

 

وفي ظلّ التطورات التقنية المتسارعة يتساءل الخبراء عن ماهية الانسان والعقل البشري الحقيقية مع السنوات المقبلة وما الحدود التي ستأخذها أنظمة الذكاء الاصطناعي في التفكير والتحكم والعمل وتطوير الوعي الذاتي لديها وانعكاس ذلك على البشر. بالمقارنة مع نماذج الذكاء الاصطناعي يتفوق العقل البشري على الآلات بشكل ملحوظ مما يؤكد أنه لا يزال امام الحلول الذكية والذكاء الاصطناعي بالتحديد الكثير للتوازي مع  الادراك البشري.

 

بين الذكاء الاصطناعي ودماغ الانسان اختلافات كثيرة

يُعتبر الانسان مسؤولاً عن تصميم الخوارزميات التي تسمح لأنظمة الكمبيوتر بالتعامل مع المشاكل المعقدة والتكيّف مع الواقع، مما يجعل الذكاء الاصطناعي أكثر تنوعاً. ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بتعدد المهام والتفاعلات الاجتماعية والوعي الذاتي، فإن الذكاء البشري أكثر تقدماً بكثير مقارنةً بالذكاء الاصطناعي. في الحقيقة، لا يمتلك الذكاء الاصطناعي معدل ذكاء معيّناً، بل يتبع التعليمات التي يضعها البشر لمهمة محددة.

غالبًا ما يُستخدم الذكاء الاصطناعي والذكاء البشري بالتبادل، إلا أنهما يختلفان بنقاط عدّة. فبينما يتضمن الذكاء الاصطناعي تقنيات تُمكّن الحواسيب من محاكاة العمليات المعرفية كالتعلم وحل المشاكل، فإن الذكاء البشري هو مجموعة من السمات العقلية المشتركة كالإبداع والإدراك والذاكرة.

ورغم استحالة بناء ذكاء اصطناعي بذكاء بشري حتى الآن، إلا أن الأبحاث تُشير إلى كيفية دمج كليهما لإنشاء خوارزميات تُشبه إلى حد كبير تلك التي يستخدمها البشر.

 

غالبًا ما يُستخدم الذكاء الاصطناعي والذكاء البشري بالتبادل، إلا أنهما يختلفان بنقاط عدّة. 

 

رغم هذه الاختلافات، يُمكن لتطبيقات الذكاء الاصطناعي العمل بكفاءة ودقة مُطلقة، إلا أن قدرتها تقتصر على مُحاكاة الذكاء البشري. على عكس البشر، لا يُمكن للذكاء الاصطناعي أن يُنهك أو يُجهد، مما يُقلل من نسبة الخطأ في أداء المهام. باختصار، يستخدم الذكاء البشري عقله وذاكرته وقدراته المعرفية، بينما يعتمد الذكاء الاصطناعي على البيانات التي يُقدمها الإنسان.

يحتوي الدماغ على وحدات متخصصة تعمل بشكل متسلسل بينما تفتقر أنظمة الذكاء الاصطناعي إلى التنظيم الفائق. هذا ويعتمد دماغ الانسان على مجموعة الهرمونات والخلايا العصبية مقارنةً بالذكاء الاصطناعي الذي يتألف من خلايا اصطناعية تتشابه وظيفياً.

أما الميزة التي يتمتع بها دماغ الانسان فهي "الذاكرة" التي تعمل على المدى الطويل والمدى البعيد بينما تعتبر أنظمة الذكاء الاصطناعي محدودة في اطار معيّن من الزمن قائم على تدريبات مسبقة وتجارب متعددة.

يتكيّف دماغ الانسان مع كل الظروف المحيطة  دون الحاجة إلى تدريبات مسبقة على عكس الذكاء الاصطناعي الذي يحتاج إلى تدريبات متواصلة للتكيّف مع واقعه. أما بالنسبة للطاقة والكفاءة، فيعمل الدماغ البشري بكفاءة عالية بواسطة طاقة معيّنة على عكس أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تتطلب موارد طاقة هائلة على مدار الوقت لضمان عملها بمرونة بما يُرضي المستخدم.

على مرّ السنوات تمكّن الخبراء من معاينة عمل دماغ الانسان وتطوره البيولوجي من جيل إلى آخر وهذا ما لا يمتلكه الذكاء الاصطناعي والآلات الالكترونية، فهي تحتاج دائماً إلى تدخل بشري لتحديث أنظمتها لتتماشى مع الواقع الجديد.

يتكون الدماغ البشري من حوالى 86 مليار خلية عصبية. تتصل كل خلية عصبية بآلاف الخلايا الأخرى، لتشكل شبكة كبيرة قادرة على أداء ما يصل إلى 1016 عملية في الثانية. إلا أن قوة الدماغ الحقيقية لا تكمن فقط في قدرته الحسابية، بل أيضًا في مرونته وقدرته على التعلم وقدرته على التكيف، لا سيما في البيئات التعاونية. يُعد التعاون بين البشر ظاهرة فريدة. إذ يمكن لمجموعة من 10 أشخاص تحقيق أكثر من عملية في الثانية الواحدة مع توزيع المهام، وتوليد أفكار جديدة، وابتكار تقنيات تتجاوز قدرات أي فرد بمفرده.

يوضح خبراء التكنولوجيا أنه مع الاستخدام المتزايد للأجهزة الالكترونية والروبوتات في القطاعات من الرعاية الصحية إلى التعليم والاقتصاد والنقل وغيرها، أصبح من المهم فهم الآلات أكثر. تستهلك أساليب تدريب الذكاء الاصطناعي الحالية قدراً هائلاً من الطاقة، وغالبًا ما تكون متاحة فقط لشركات التكنولوجيا الكبرى. إن زيادة المعرفة بكيفية عمل أدمغتنا، وكيفية معالجة الدماغ البشري لبعض المعلومات بسرعة وكفاءة عالية، يمكن أن تساعد في جعل الذكاء الاصطناعي أكثر ذكاءً وراحةً للإنسان.

مقارنة أخرى بين آليات التعلم التي يستخدمها الذكاء الاصطناعي والدماغ البشري؛ تعتمد أنظمة الذكاء الاصطناعي، وخاصةً خوارزميات التعلم الآلي، على مناهج التعلم القائمة على البيانات. فهي تتطلب كميات هائلة من البيانات المصنفة لتدريب النماذج، وتحسين أدائها من خلال التكرارات. تُمكّن هذه العملية، المعروفة باسم التعلم المُشرف، الذكاء الاصطناعي من التعرف على الأنماط والتنبؤ. في المقابل، تتسم عملية التعلم في الدماغ البشري بتعقيدها الشديد، فهي تشمل القدرات الفطرية، والتعلم التجريبي، والتفاعلات الاجتماعية. يُظهر البشر قدرةً ملحوظة على التعلم من بيانات قليلة ومتباعدة، وتعميم المعرفة عبر المجالات، والتكيف مع المواقف الجديدة، وهي سماتٌ تكافح أنظمة الذكاء الاصطناعي الحالية لتقليدها بالكامل.

تُقدَّر الطاقة اللازمة لتشغيل الدماغ البشري بحوالى 20 واط فقط. تُمكِّن كفاءة المعالجة المتوازية للدماغ وقلة الوصلات العصبية الدماغ من إجراء عمليات حسابية معقدة بأقل استهلاك للطاقة. في المقابل، تتطلب أنظمة الذكاء الاصطناعي المعاصرة، وخاصةً نماذج التعلم العميق واسعة النطاق، موارد حسابية ضخمة واستهلاكًا كبيرًا للطاقة. ومع سعي باحثي الذكاء الاصطناعي لتطوير خوارزميات وأجهزة أكثر كفاءة في استخدام الطاقة، يُصبح السعي لتحقيق كفاءة الدماغ البشري هدفًا بالغ الأهمية.

بينما تفتقر أنظمة الذكاء الاصطناعي إلى العواطف وقدرات اتخاذ القرارات الأخلاقية، يتفوق عليها الدماغ البشري. يتمتع البشر بذكاء عاطفي يُمكّنهم من التعامل مع التفاعلات الاجتماعية المعقدة، وفهم الآخرين والتعاطف معهم، واتخاذ قرارات أخلاقية مبنية على القيم الأخلاقية والمعايير المجتمعية. أما أنظمة الذكاء الاصطناعي، الخالية من العواطف والفاعلية الأخلاقية، فتعاني من معضلات أخلاقية، وتفتقر إلى فهم دقيق للمشاعر الإنسانية. ولا تزال الاعتبارات الأخلاقية والذكاء العاطفي في أنظمة الذكاء الاصطناعي تُشكل تحديًا مستمراً، إذ إن تجسيد التفكير الأخلاقي البشري والاستجابات التعاطفية لا تزال بعيدة عن التحقيق الكامل.

 

مشاكل أخلاقية واجتماعية ناتجة عن الذكاء الاصطناعي

يفتح استخدام الذكاء الاصطناعي تساؤلات عدّة حول مستقبل البشرية وتأثيره على المجتمع ككل. فبحسب الخبراء، يتسبب وجود الذكاء الاصطناعي بمشاكل وجدالات اجتماعية وأخلاقية كبيرة مع اعتماد هذه التقنية لأهداف ضارة مما يقودنا إلى التغيير الضار. ففي عصر التحولات السريعة، يتعلّق نجاح اعتماد الذكاء الاصطناعي أو فشله بالأهداف التي تدفع المستخدمين إلى اعتماده. فالشركات والمدارس والمؤسسات تدرك التغييرات السريعة التي سببها الذكاء الاصطناعي على حياة الانسان ليعيد تشكيل القطاعات. حتى أن جهات كثيرة تتخوّف من أن يكون الاتكال الأكبر على الذكاء الاصطناعي لانجاز الأعمال أو الأبحاث وهذا ما يزيد هيمنة التكنولوجيا على حياتنا.

 

يُعد تنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي من الأولويات فسبق أن أصدر البرلمان الأوروبي قانون الذكاء الاصطناعي للاتحاد الاوروبي. 

 

مع هذه التحولات، يعتقد الخبراء أنه سيتم التوصل إلى حلول تحدّ من قوة الذكاء الاصطناعي كتقنية موثوقة وآمنة دون اعتمادها لتضليل المعلومات أو لشنّ حروب الكترونية أو لتهديد وظائف ما. فرغم المراحل التي توصل إليها الذكاء الاصطناعي سيكون للانسان القدرة الأكبر في التحكم بهذه التقنية فلا يمكن للأجهزة الذكية أن تحل مكان الانسان في كل الظروف ولا يمكن استبدال اليد العاملة البشرية بالروبوتات في كل المهام بل سيكون دافعاً لدعم المهارات العقلية والاجتماعية للتواصل والاتصال.

يُعد تنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي من الأولويات فسبق أن أصدر البرلمان الأوروبي قانون الذكاء الاصطناعي للاتحاد الاوروبي. يُعتبر هذا القانون الأول من نوعه على مستوى العالم اذ يضمن سلامة الأنظمة الالكترونية وأمنها ويحمي المستخدمين. في الاطار نفسه، تُركّز الحكومات على تعزيز اعتماد هذه التقنية بالطريقة اللازمة والاستفادة من خدماتها على مستوى الرعاية الصحية والحقوق الانسانية والأمن القومي وغيرها من المجالات. لا يزال الاتحاد الاوروبي يعمل على تطوير قانون الذكاء الاصطناعي على أن يتم تعديله في المرحلة المقبلة وفقاً لما ستفرضه التحولات على المستوى التكنولوجي والاجتماعي.

 

هل يهزم العقل البشري الذكاء الاصطناعي؟

 تبقى أنظمة الذكاء الاصطناعي محدودة القدرات مقارنةً بالعقل البشري الذي يمكنه الابتكار والتكيّف مع التغييرات دون تدريبات مسبقة. يسعى الخبراء إلى فهم الاختلافات بين علم الحاسوب وأعصاب الخلايا الدماغية التي تبقى قيد التطور دون توقف.

وفقاً للدراسات، لن يكون الذكاء الاصطناعي بديلاً للانسان بل سيكون أداةً لتعزيز الانتاجية وتحسين الكفاءة التشغيلية في الأعمال. تعزز المؤسسات ثقافتها في هذا المجال لمواكبة العصر الرقمي والمنافسة مع الأسواق المحلية والخارجية. أما التحديات الأساسية في خلق التوازن بين الانسان والآلات الذكية فيكمن بعدم وضع قادة التكنولوجيا حدوداً لهذا النمو والتطور اذ تحذر شركة "غارتنر" من أن 60% من قادة البيانات والتحليل سيواجهون تحديات في تعاملهم مع البيانات الاصطناعية مما يهدد أنظمة الذكاء الاصطناعي وسائر الانظمة الذكية. ان التغيير الكبير الحاصل في الادارات التنظيمية وغيرها من الشركات في القطاعين العام والخاص لا يمثل الا رغبة الانسان في التعمق التقني والاعتماد أكثر على التكنولوجيا لخدمة الانسان ولا للسيطرة عليه.

توازياً يستعرض قادة التكنولوجيا مخاطر التفرد التكنولوجي وخصوصاً في أنظمة الذكاء الاصطناعي في حال سيطرتها.

سلاح تقني: تعتبر أنظمة الذكاء الاصطناعي أسلحة خطرة تتسبب بانتشار الهجمات السيبرانية، تساهم بفبكرة أنواع جديدة من الأسلحة أكثر ذكاءً ويمكن التحكم بها عن بُعد وقد يفقد الانسان السيطرة عليها لتهدد البشرية أجمع.

فبركة فيروسات بيولوجية: تشكل الأنظمة الذكية تهديداً فعلياً للقطاع الصحي حيث تتيح للعلماء والباحثين فبركة أنواع جديدة من الفيروسات بطريقة متعمدة أو عن طريق الخطأ.

استنزاف البنية التحتية الرقمية: ان الاعتماد المتزايد على أنظمة الذكاء الاصطناعي يدفع الحكومات إلى الاستثمار أكثر ببنيتها التحتية وتجهيز كل المقومات فيها لتناسب أجهزة الذكاء الاصطناعي.

التفاوت الاجتماعي: يُفاقم التفرد التكنولوجي أزمة اجتماعية بين الفئات الملمّة بالتكنولوجيا والحلول الذكية والفئة الأقرب إلى الحلول التقليدية.

 معايير ومبادئ تنظيمية تحددها الجهات المعنية لتوجية استخدام الذكاء الاصطناعي والحدّ من آثاره السلبية المحتملة. فبصورة عامة، الذكاء الاصطناعي هو من صنع الانسان والمبرمجين الذين يحرصون على مراقبة أعمال المؤسسات والهيئات الحكومية والشركات الخاصة لاستخدام هذه التقنية بطريقة آمنة دون أي تهديد جانبي.

الذكاء الاصطناعي، تقنية المستقبل، لا يمكن الغاؤها بل يجب التكيّف معها. لن تحل محل الانسان ولا يمكن أن تأخذ كل الصفات البشرية. في عالم مليء بالمفاجآت والابداعات، سيستمر الانسان باكتشاف مزيد من الأنظمة المثيرة للاهتمام. ويبقى العقل البشري هو العنصر الأهم خلف التطور وسيكون الداعم الاول لخلق مزيد من القدرات الذكية ودعمها بالمرونة والقدرة على التكيّف مع الواقع الجديد.